الديمقراطية والدكتاتورية وما بينهما (2): الوصول إلى الحكم والاستمرار فيه

طبقات المجتمع
  • مقدمة

تحدثنا في مقال سابق عن كيفية التمييز بين أنظمة الحكم الديمقراطية والدكتاتورية، وشرحنا كيف أنه بازدياد عدد الذين يعتمد عليهم الحاكم للبقاء في سدة الحكم، ينقص تركيز السلطة فيه وفي أتباعه مما يزيد عدد المشاركين في الحكم وييعطي فرصة لقطاع أكبر من الشعب لتحقيق مصالحه.

في هذا المقال، سنتحدث عن أساليب الحكام في الوصول والاستمرار في الحكم في كل من الديمقراطيات والدكتاتوريات، مع بعض الأمثلة.

  • إرضاء اللاعبين الأساسيين

بغض النظر عن نوع النظام الحاكم، أساس الحكم هو أن يرضي الحاكم طبقة الأساسيين التي يعتمد عليها في إرساء حكمه (The essentials). فالحاكم هنا عليه أن يتأكد من أن تلك الطبقة التي أوصلته للحكم أو تلك التي يعتمد عليها للاستمرار في الحكم راضية بما فيه الكفاية حتى لا تُغير ولاءها لمنافسيه. وهذه القاعدة عامة سواء في الديمقراطيات أو الدكتاتوريات. فكما أوضحنا مسبقاً، لا يوجد حاكم يستطيع الحكم بمفرده، وإنما يحتاج إلى من يدعمه ويوصله ويسانده. وهنا يحصد كل من الطرفين منفعة متبادلة. فالحاكم يصل للحكم ويستطيع تنفيذ أجندته، بينما يستفيد الذين أوصلوه وساندوه من خلال ما يحصّلونه منه، وإن اختلف شكل هذا التحصيل من نظام لآخر كما سنشرح في الفقرات القادمة.

ومن الجدير بالذكر أنّ الحاكم الذي تتم له مقاليد الأمور لديه فرصة أكبر في الحفاظ سلطته من منافسيه. فالحاكم الحالي أثبت قدرته وخلق توازناً مستقراً مع من يدعموه، وستكون المهمة الأصعب على أي منافس بأن يقنع من يملكون القدرة على تغيير الأمور بأن يعطوا ولاءهم لمنافس لا يعرفونه جيداً ولا يثقون به بدلاً من الولاء لحاكم تم اختباره. وكما يقول المثل الدارج: “الي بتعرفو أحسن من الي بتتعرف عليه”. ويتساوى هذا في كلا نوعي الحكم. ففي الديمقراطيات، نلاحظ أنّ الرؤساء المنتخبين لديهم فرصة جيدة في أن يستمروا في الحكم لولاية ثانية كما هو حال انجيلا ميركل وطوني بلير. بل تتجاوز الثقة الممنوحة للحاكم الحالي أو المجرب إلى عائلته وأبنائه، وهناك العديد من الأمثلة كعائلتي بوش وكلينتون في الولايات المتحدة، وعائلة ترودو في كندا، وعائلة غاندي في الهند.

  • علاقة الدكتاتور بحلقته الضيقة

كما بيّنّا سابقاً، يعتمد الدكتاتور على فئة قليلة من الأعوان للسيطرة على الحكم. وهنا تكمن علاقة مميزة بين الحاكم وأعوانه. فالدكتاتور عليه أن يحافظ على ولاء الذين يعتمد عليهم في الحكم من خلال خصّهم دون عامة الشعب بصلاحيات وأموال تحفظ المنفعة المتبادلة معهم، فلا يخونوه فينقلبوا عليه أو يدعموا منافساً له أو ثائراً عليه. طبعاً، على الحاكم أن يخلق توازناً بين ما يقدمه لتلك الطبقة، وما يبقيه لنفسه، فيعطيهم أقل ما يضمن المحافظة على ولائهم.

وحين يتمكن الدكتاتور من الحكم، يحاول أن يقلل من نفوذ الذين يعتمد عليهم بأكبر قدر ممكن. وهنالك عدة استراتيجيات للوصول إلى هذه الغاية.

فمثلاً، تحاول النظم الدكتاتورية خلق طبقة من الأساسيين الذين يُسخّرهم النظام لتنفيذ سياسته دون أن يكون لديهم سلطة ذاتية حقيقية. ولا أدلّ على ذلك من البرلمانات الصورية الموجودة في معظم الدول الاشتراكية والشيوعية إلى يومنا هذا. فهذه البرلمانات تمرر القرارات التي تسلمها إباها الحكومة مقابل بعض المزايا النسبية التي يتلقاها أعضاؤها. أضف إلى ذلك خوف تلك الطبقة من أن تستبدل بمواطنين آخرين من عامة الشعب فتذعن وتنصاع لكل ما تؤمر به في غياب أي انتخابات حقيقية.

استراتيجية أخرى يتبناها الدكتاتور بشكل عام هي التخلص ممن أوصلوه للحكم بما أنهم كانوا يشاركونه قدراً موازياً من السلطة، واستبدالهم بطبقة أساسية جديدة كانت أقل شأناً لا تطمح للوصول إلى الحكم. ومن الأمثلة على ذلك الانقلابات المتتالية التي حدثت في حكم حزب البعث في كلّ من سورية والعراق. فبعد أن استلم ضباط حزب البعث الحكم في سورية عام 1963، حدث انقسام فيما بينهم فيما يعرف بالقيادة القطرية والقيادة القومية، وتطور هذا الانقسام إلى انقلاب عام 1966. تبع هذا الانقلاب انقلابات أخرى بعضها فشل والآخر نجح، وكان آخرها انقلاب حافظ الأسد عام 1970 الذي أزاح فيه رفيقه في الثورة ومنافسه صلاح جديد. وقد تكرر السيناريو في عهد بشار الأسد حين استبدل الحرس القديم الذي ساند والده وأوصله إلى الحكم بحرس جديد من المقربين له.

إذاً، فوصول الدكتاتور إلى الحكم طريق صعب محفوف بالمخاطر. ولكن متى تم الأمر له، فإن استئثاره وبقاءه في السلطة إلى أمد طويل يكون شبه مؤكد بعد أن تخلص من جميع منافسيه بالقتل أو النفي.

ومع أن الدكتاتور يفضل المقربين أصحاب الولاء على أصحاب الخبرة، إلا أنه لا يمكنه الاستغناء كلياً عن ذوي الكفاءات. لذلك، فهو يحرص على تسليم المناصب الغير حساسة التي تسير الشؤون المدنية لأولئك الذين لا خطر منهم. فمثلاً، نجد أن صدام حسين كان يستعين بشكل رئيسي بطارق عزيز كونه مسيحياً لا يمكنه منافسته على الرئاسة. ونجد أن حافظ الأسد كان يسلم رئاسة الوزراء والخارجية لأبناء الطائفة السنبة التي لا يمكن أن تنازعه الحكم كونها لا تسيطر على الجيش.

  • الدكتاتور والموارد

كما ذكرنا سابقاً، يعمل الدكتاتور غلى منح حلقته الضيقة المزايا والموارد التي تجعله يأمن لولائهم. ولما كانت الموارد محدودة، فهذ يعني أنه على الدكتاتور أن يسيطر على تلك الموارد سيطرة كاملة حتى يتحكم بها ويستأثر بها لنفسه ويعطي منها من يحتاج إلى ولائه.

وهذه السياسة واضحة في معظم الأنظمة الدكتاتورية. ففي الدول النفطية مثلاً، غالباً ما يكون النفط مؤمّماً. وبينما يدّعي الحاكم أن عائدات النفط توزع على الشعب، إلى أن معظمها يذهب لجيوب الحاكم وعائلته والمحيطين بهم.

وحتى عندما يستخدم الدكتاتور الموارد للنهوض بمستوى المعيشة، يكون ذلك غالباً لتأمين الخدمات الأساسية فقط والضرورية لزيادة انتاجية الشعب. وسنتحدث بالتفصيل عن علاقة الدكتاتور بالثروات والموارد في مقال قادم.

  • علاقة الديمقراطية بالشعب

في مقابل الدكتاتورية، قد نتصور بأن النظام الديمقراطي يمنح الشعب حكمه نفسه بنفسه وما إلى ذلك من أحلام وردية. ولكن علينا ألا ننسى بأن قواعد الحكم التي تحدثنا عنها سابقاً، والتي تؤكد بأن كل من يطمح للحكم له مآربه وتصوراته وغاياته التي يود تنفيذها. وانه لا يمكن لشخص أن يحكم وحده دون دعم.

ما يختلف في النظام الديمقراطي عنه في الدكتاتوري هو كيفية التنفيذ. ففي الديمقراطية، يتم الوصول للحكم عن طريق الانتخابات. ولذلك، فعلى المرشح الذي يود أن يفوز في تلك الانتخابات أن يحصل على عدد من الأصوات يضمن له ذلك. . ونلاحظ أن الأمر معكوس في الديمقراطيات عنه في الدكتاتوريات. ففي الديمقراطيات، تحمل محاولة الوصول للحكم مخاطرة أقل، ولكن الاستمرار في الحكم بعد الوصول إليه يتطلب الإرضاء الدائم المستمر طويل الأمد للطبقة الأساسية.

وبشكل عام، فإن الطريقة القياسية للحصول على أكبر عدد من الأصوات هو إرضاء أصحابها من خلال تقديم الوعود الانتخابية. ولعله من السهل هنا أن نلاحظ بأن المرشح المتواجد في الحكم يمتلك أفضلية على الآخرين كونه يمتلك سلطة لتحقيق وعوده قبل الانتخابات. أي، بإمكان الحاكم الحالي أن يمرر قوانين أو مشاريع تخدم قاعدته الانتخابية قبل الانتخابات لضمان أصواتها، وهذا أسهل من محاولة إقناع الناخبين بتغيير أصواتهم مقابل وعود مستقبلية.

  • الحصص النتخابية

ولكن يجب الانتباه إلى أن هنالك طرقاً أخرى لكسب الأصوات. فمثلاً، تحدد بعض الحكومات حصصاً انتخابية (Quota) للأقليات أو النساء. ومع أن الغرض من تلك الحصص نظرياً هو إشراك الفئات الاجتماعية الأكثر تهميشاً في السلطة، إلا أنها تستغل لتحقيق مكاسب انتخابية لسبب بسيط وهو أن الفوز بها أقل تكلفة من الفوز بالمقاعد الانتخابية العادية.

لنفرض أنه لدينا 10 مقاعد في برلمان منتخب من قبل 100 شخص. ولنفرض أننا خصصنا مقعداً واحداً لأقلية عرقية معينة مكونة من 5 أشخاص فقط. قد يحتاج المرشح العادي إلى 100/10 = 10 أصوات للفوز بمقعد. ولكن، لاحظ أن أي مرشح عن الأقلية يحتاج فقط إلى أغلبية الـ 5 أصوات من أقليته. أي إلى 3 أصوات فقط. هذا يعني أنه بإمكان الأحزاب المتنافسة التركيز على مناطق الأقليات للفوز بعدد أكبر من المقاعد بعدد أقل من الأصوات.

  • الكتل الانتخابية

طريقة أخرى لكسب الأصوات بتكلفة أقل هي استثمار التكتلات التي تصوت تبعاً لشخص أو جماعةواحدة. وأهم الأمثلة على ذلك هي التكتلات القبلية والعشائرية في الأردن، والتكتلات الإسلامية في مصر. ففي هذه الحالات، يمكن اختصار عدد كبير من الأصوات الانتخابية التي يجب إرضاؤها بصوت شيخ القبيلة أو إمام الجماعة. ومن السهولة في هذه الحالة تبادل المنفعة بين المرشح ورئيس الكتلة. فيقوم المرشح بإرضاء رئيس الكتلة مادياً أو سياسياً مقابل تجيير أصوات كتلته له. ومع أن الانتخابات تميز النظم الديمقراطية، إلا أن نشوء وسيطرة هذا النوع من الكتل التي يتبع فيها الناخب صوت رئيس الكتلة اتباعاً أعمى هو نذير بالتحول إلى ديمقراطية اسمية شكلية تشوبها خصائص دكتاتورية.

  • رسم الدوائر الانتخابية

تنقسم رقعة الانتخابات عادة إلى دوائر انتخابية تنتج فيها كل دائرة مرشحاً أو عدداً من المرشحين. وللفوز بالانتخابات في دائرة معينة، على المرشح الحصول على أغلبية الأصوات في تلك الدائرة.

ومن المهم الانتباه إلى أن الديمقراطية والانتخابات ليسا شكلاً واحداً، بل هنالك طرق مختلفة لإدارة الانتخابات، ولكل منها حسناتها وسيئاتها، كطريقة المجمع الانتخابي (Electoral College) المتبعة لانتخاب رئيس الولايات المتحدة، والانتخاب المباشر (Direct Election) لانتخاب رئيس وزراء كندا، وطريقة الانتخاب التراتبية (Ranked Voting) لانتخاب رئيس الوزراء الاسترالي. ولن نخوض هنا في تفاصيل كل نظام انتخابي إذ يحتاج ذلك إلى مقال منفصل.

ولكن حتى في نظام الانتخاب الواحد، يمكن أن تتغير النتيجة تبعاً لتغيير الدوائر الانتخابية. فلنأخذ مثلاً الحالة التالية المبينة في الشكل أدناه. لدينا رقعة انتخابية مؤلفة من 50 ناخب. ولدينا حزبان: الأول ممثل باللون الأزرق، والآخر بالأحمر. سنقوم بتقسيم هذه الرقعة إلى 5 دوائر انتخابية، وسيتنافس الحزبان من خلال مرشح لكل منهما في كل دائرة، ويفوز بالدائرة المرشح ذو الأصوات الأكثر، ويفوز في الانتخابات بشكل عالم الحزب الذي لديه عدد أكبر من المرشحين الفائزين.

سياسة  الديمقراطية والدكتاتورية وما بينهما (2): الوصول إلى الحكم والاستمرار فيه How_to_Steal_an_Election_-_Gerrymandering-1024x795

By Steve Nass [CC BY-SA 4.0 (https://creativecommons.org/licenses/by-sa/4.0)], from Wikimedia Commons – (Modified to Arabic)

نلاحظ أنه باختلاف رسم الدوائر الانتخابية‘ يمكن أن نحدث تغييراً جذرياً في نتيجة الانتخابات. تسمى هذه الظاهرة بال (gerrymandering)، وهي ظاهرة معروفة سياسياً حيث يحاول الحاكم الحالي دوماً استغلال سلطته لإعادة رسم الدوائر الانتخابية بما يسهل إعادة انتخابه في الدورة الانتخابية المقبلة، وكلما كان النظام أكثر ديمقراطية، كلما عمل على التقليل من هذه الظاهرة وسن القوانين لمحاربتها.

  • الأحزاب ونظرية الناخب الوسيط (Median Voter Theorem)

إذاً نلاحظ أن فوز أو خسارة حزب في الانتخابات يعتمد على كيفية تقسيم الكعكة والتركيز على الحملات الانتخابية التي تعود بعدد أكبر من الأصوات بأقل تكلفة. ومن المهم أن ننتبه أن اختلاف سياسات الأحزاب وإن كانت في الظاهر تبدو إيديولوجية عميقة، إلا أن أساس هذا الاختلاف هو توسيع حصة الحزب في الرقعة الانتخابية. فلو قامت جميع الأحزاب بالتركيز على مدينة واحدة أو على أقلية واحدة، لخلق ذلك فراغاً يحتاج إلى الملء في المدن أو الأقليات الأخرى يجذب المنافسة فيها. ولما كان من الصعب إرضاء جميع أطياف المجتمع بتوجهاته المختلفة والتي قد تكون متضادة، وجب على كل حزب أن يتخصص في شريحة معينة في المجتمع ليستحوذ على أصواتها.

لكن التخصص بشريحة معينة لا يعني أن يكون الحزب راديكالياً في توجهه لإرضاء تلك الشريحة، بل عليه أن يخلق أجندة متوازنة تسهل له جذب الناخبين الوسطيين، وهذا ما يعرف بنظرية الناخب الوسيط (Median Voter Theorem)، والتي سنشرحها بمثال:

لنفرض أنه لدينا نظام انتخابي ذو حزبين، الأزرق والأحمر، ولنفرض أن لكل حزب مرشحاً واحداً للتبسيط. ولنفرض أن الرقعة الانتخابية مكونة من ناخبين يختلفون في ايديولوجيتهم نحو ظاهرة اجتماعية معينة (كالزواج المدني، أو الهجرة، أو غيرها…) بين تأييد شديد ومعارضة شديدة وما بين هاتين النهايتين من تدرجات. سيقوم الناخب طبعاً بالتصويت للمرشح الأقرب إليه على هذا الطيف.

لو بدأ كل من المرشحين بتبني سياسات متطرفة نحو الظاهرة المدروسة كما هو مبين أدناه في الشكل (ا)، لتقاسم كل من المرشحين الرقعة الانتخابية مناصفة. ولكن لاحظ أنه يمكن لأي من المرشحين توسيع قاعدته الانتخابية بتبني اراء أقل تطرفاً. حيث يجعله ذلك أقرب إلى آراء الناخب الوسطي من المرشح الآخر فيفوز بأكثر من نصف الأصوات. نستطيع أن نرى ذلك من الشكل (ب) أدناه. ولكن رداً على ذلك، يستطيع المرشح الأزرق تبني اراء أقل تطرفاً هو الآخر لعيد التوازن في قسمة الأصوات. ويستمر المرشحان على هذا المنوال حتى يصلا إلى توازن مستقر في الشكل (ه) يكون فيه كل منهما قريباً من ايديولوجية الناخب الوسيط مع الحفاظ على منهجهما الايديولجيين.

من المهم الانتباه إلى أن الناخب الوسيط لا يعني المعتدل بالضرورة، وإنما هو الناخب الذي قسم بالتساوي بين عدد الناخبين الأطثر تأييداً واولئك الأكثر معارضة. ففي مجتمع منقسم بالتساوي بين النهايتين، يكون الناخب الوسيط في المنتصف. أما إن كان المجتمع بغالبيته معرضاً، فسيكون الناخب الوسيط أكثر معارضة منه تأييداً وسيكون كلا المرشحين أقرب نحو التأييد منه إلى الوسط.

سياسة  الديمقراطية والدكتاتورية وما بينهما (2): الوصول إلى الحكم والاستمرار فيه Median-Voter-Theorem2-673x1024

  • مقارنة بين أسلوب مكافئة الطبقة الأساسية في النظامين الدكتاتوري والديمقراطي

أكدنا في الفقرات السابقة أن شغل الحاكم الشاغل هو إرضاء من يعتمد عليهم للاستمرار في الحكم. في حالة الدكتاتورية، يكون هؤلاء حلقة ضيقة صغيرة، وفي حال الديمقراطية تكون عامة الشعب.

وبما أن الحاكم يملك مقداراً محدداً من الموارد والثروات، فإنه من المهم أن ندرس المكافآت التي يعطيها الحاكم لمن يدعمونه من الناحية الاقتصادية في كلتا الحالتين.

ففي الحالة الدكتاتورية، كل ما على الحاكم فعله هو إرضاء عدد محدود من الأفراد بقسمة تلك الموارد عليهم. ولكن بازدياد حجم الطبقة التي تؤثر على استمرار الحاكم في الحكم، وهي الشريحة الانتخابية في الحالة الديمقراطية، فإن تقسيم الموارد بالتساوي على تلك الشريحة يجعل حصة كل فرد على حدى ضئيلة. ولذلك، يعمد الحكام في النطم الديمقراطية إلى التركيز بشكل أكبر على الإنفاق على الخدمات والمشاريع العامة التي تعود بالنفع على عدد كبير من الناس مما يجعلها وسيلة فعالة واقتصادية لإنفاق الموارد بطريقة ترضي عدداً كبيراً من الناخبين وتضمن أصواتهم.

فلنأخذ هذا المثال البسيط:

لنفرض أن لدينا بلدة مكونة من 200 شخص. ولنفرض أن عمدة البلدة لديه ميزانية انتخابية مقدارها 1000$. لدى العمدة خياران: إما أن يوزع ميزانيته بالتساوي على جميع الأصوات الانتخابية التي يحتاجها، أو أن يرمم بها ساحة البلدة مما قد يجلب لها عائداً سياحياً مقداره 30$ لكل مواطن. لنرسم الخطين البيانيين الذين يمثلان العائد على الفرد من الطبقة الأساسية في كلتا الحالتين:

نجد أن الحاكم بإمكانه بسهولة إرضاء عدد قليل من الناس، كما هو الحال في النظام الدكتاتوري، بإعطائهم منح وثروات خاصة. ولكن مع ازدياد عدد الأساسيين حتى نصل إلى نصف عدد سكان البلدة، كما هو الحال في النظام الديمقراطي، يصبح من الصعب إرضاء الجميع بإعطاء كل مواطن 10$. لذلك، فإنه من الأكثر فعالية للحاكم الانتقال من المكافآت العينية إلى الخدمات العامة مع كبر حجم طبقة الأساسيين. في مثالنا السابق، يحدث هذا التحول عندما يصبح حجم طبقة الأساسيين 35 شخصاً.

ونلاحظ أن هذا ينطبق على الواقع. ففي الأنظمة الدكتاتورية، نجد أن الدكتاتور وحلقته الضيقة ينعمون بثراء فاحش في حين يعيش بقية الشعب قريباً من خط الفقر. أما في الديمقراطيات، فمع أن السياسيين غالباً يتمتعون بثروة أكبر من عامة الشعب، إلا أن فارق الثروة بين أفراد الفئتين أصغر بكثير منه في الدكتاتوريات.

  • خاتمة

تحدثنا في هذا المقال عن استراتيجيات الحاكم في تثبيت حكمه، وشرحنا كيف أن الأساسيات المتبعة في إرضاء الطبقة الأساسية لا تختلف باختلاف النظام الحاكم، وإنما ما يختلف بحسب حجم الطبقة الأساسية هو أسلوب التنفيذ في كيفية توزيع الثروات وإدارة العناصر المكونة لتلك الطبقة وغيرهما من العوامل.

سنتحدث في المقال المقبل بإسهاب عن كيفية توزيع الحاكم للموارد والثروات لتحقيق غايته في الاستمرار في الحكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *